سوريا بعد الأسد- نظرة على المستقبل السياسي والفترة الانتقالية

المؤلف: صدقة يحيى فاضل10.12.2025
سوريا بعد الأسد- نظرة على المستقبل السياسي والفترة الانتقالية

إنّ الشغل الشاغل في ربوع الوطن العربي هذه الآونة هو الشأن السوري، ومستقبله السياسي المترقب، وذلك عقب الإطاحة بالديكتاتور الآثم بشار الأسد، وإنهاء حقبة حكم آل الأسد الدامية، التي أثقلت كاهل الشعب السوري. ومن الجدير بالذكر أن نتباحث في هذا المضمار وفقًا للمحاور الآتية، ساعين جاهدين لتسليط الضوء على كل جانب من هذه الجوانب، المنبثقة عن صلب موضوع: الوضع السياسي الراهن في سوريا، بما يقتضيه المقال الصحفي والإسهام الإعلامي.

- الأحداث الجسام التي شهدتها سوريا بالفعل، بدءًا من الثامن من كانون الأول (ديسمبر) عام 2024م.

- تداعيات الأحداث في سوريا على العالم العربي، وفي طليعته المملكة العربية السعودية.

- تأثير الأحداث على القوى الإقليمية والدولية المعنية.

- أبرز الجماعات والميليشيات السورية الفاعلة.

- آليات تحقيق الوحدة الوطنية السورية المنشودة.

- كيفية إرساء دعائم نظام سياسي جديد وعادل.

- ملامح المرحلة الانتقالية الدقيقة.

- استشراف رؤية مستقبلية لسوريا الغد.



تجدر الإشارة إلى أن الجمهورية العربية السورية، إلى جانب جمهورية العراق، تُعتبران من أقدم مهود الحضارة الإنسانية على مر العصور. وتعد دمشق الشام عاصمتها العريقة أقدم مدينة مأهولة في العالم قاطبة، وتُعرف أيضًا بـ«الشام». وقد تعرّبت أغلب أراضيها في القرن الحادي عشر الميلادي، وخلال الحقبة الوسيطة، إثر فتحها في العام 636 هجري، أصبحت حاضرة الدولة الأموية الزاهرة، ثاني أكبر دولة في التاريخ من حيث المساحة الشاسعة. دام حكم الأمويين قرابة 132 عامًا. ثم خضعت سوريا للحكم العثماني مدة أربعة قرون تقريبًا (1516-1918م). شهدت البلاد نظامًا ديمقراطيًا نسبيًا، حتى استولى حزب البعث العربي الاشتراكي على مقاليد السلطة في عام 1963م، مؤسسًا نظام الحزب الواحد. اتسم النظام في بداياته بالاشتراكية، ولكن سرعان ما تم التخلي التدريجي عن النهج الاشتراكي بدءًا من عام 2000م. وفي عام 2011م، اندلعت شرارة الثورة الشعبية السورية المباركة، لتكون الشرارة الأولى للاضطرابات الراهنة التي تعصف بالبلاد. قوبلت هذه الثورة السلمية بقمع وتنكيل وحشي من قبل نظام الأسد البائد، مما أدى إلى دمار شامل وكارثة إنسانية مدمرة. تبلغ مساحة سوريا حوالي 118,180 كيلومترًا مربعًا، ويبلغ عدد سكانها ما يقارب 23 مليون نسمة، غالبيتهم العظمى من المسلمين السنة، بالإضافة إلى وجود العديد من الفئات العرقية والدينية الأخرى.

وفيما يتعلق بالأطراف المتناحرة، فقد كان إلى جانب النظام السوري البائد كل من: الجيش السوري النظامي، وقوات الدفاع الوطني الموالية، وعناصر الشبيحة سيئة السمعة، وحزب الله اللبناني، وإيران، وروسيا، وميليشيات شيعية غير سورية. أما القوى المقاومة للنظام، فمن أبرز مكوناتها: الائتلاف الوطني السوري، والجيش السوري الحر، وجبهة النصرة، وتنظيم القاعدة الإرهابي، ومجلس سوريا الديمقراطية، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وغيرها من الفصائل المتنوعة.



تأسست المملكة العربية السورية في عام 1920م. ثم اندلعت ثورة وطنية، أعلن على إثرها قيام الجمهورية، وانتُخب محمد العايد كأول رئيس لها، وذلك عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. ونالت البلاد استقلالها التام في عام 1946م. بعد ذلك، شهدت سوريا سلسلة من الانقلابات العسكرية المتتالية، بدءًا من انقلاب حسني الزعيم، ثم انقلاب سامي الحناوي، وانقلاب أديب الشيشكلي. اتحدت سوريا مع مصر في إطار الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961م). ثم جاء نظام ناظم المقدسي. وفي عام 1970م، قام انقلاب عسكري أوصل وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد إلى السلطة، ومن هنا بدأت المأساة السورية بكل فصولها الدامية.

ثم اندلعت حرب عام 1967م، وحرب عام 1973م الشهيرة. وفي عام 1973م أيضًا، أُقر دستور جديد، كرس نظام الحزب الواحد، واعتبر حزب البعث العربي الاشتراكي «قائدًا للأمة». توفي حافظ الأسد في عام 2000م، وتولى ابنه بشار الأسد مقاليد السلطة خلفًا لوالده، بعد تعديل دستوري شكلي تناول مسألة سن بشار. ولم يزح الأخير عن السلطة إلا في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) عام 2024م، وذلك بفضل الله ثم بفضل الثورة الشعبية. وصدر في عام 2012م، دستور جديد، بعد ثورة شعبية عارمة، نجحت في كانون الأول (ديسمبر) 2024م، في طرد بشار الأسد، وهربه إلى روسيا، وتولى محمد الجولاني السلطة مؤقتًا، في فترة انتقالية، تم تحديدها بثلاثة أشهر، سيتم خلالها مراجعة آخر دستور (2012م)، وتعديله بما يتناسب مع تطلعات الشعب السوري. وسنسلط الضوء على المرحلة الانتقالية الراهنة، وما ستسفر عنه من قرارات مصيرية، بالنسبة لسوريا والمنطقة المحيطة بها. مع العلم بأن هذه الفترة الزمنية قصيرة جدًا، ويستحسن أن تمتد لسنتين على الأقل، لإرساء دعائم الاستقرار.

صدر الدستور المعمول به حتى الآن في السابع والعشرين من شهر شباط (فبراير) عام 2012م، ليقيم نظامًا رئاسيًا، ديمقراطي المظهر، وديكتاتوري الجوهر. إذ يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة النطاق، عبر مجلس وزراء يعينه هو شخصيًا. أما السلطة التشريعية، فهي شكليًا في يد مجلس الشعب، المكون من 250 عضوًا منتخبًا لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد. وتتولى المحكمة الدستورية العليا السلطة القضائية العليا في البلاد. وسنستكمل هذا الحديث في الأسبوع القادم، بإذن الله.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة